ينبغي على المسلم أن يكون عادلا رحيما؛ فلا يظلم في أحكامه ولا يقسو في أفعاله، وليقبل سائر المسلمين على مستوياتهم بالتدين؛ فنحن - المسلمين - في التدين كطلاب الجامعة؛ منهم المقبول والجيد والممتاز، وقد قسم القرآن أهل الإيمان إلى ثلاثة مستويات ووعدهم بالرحمة والمغفرة جميعا، فقال تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ»، فالمسلمون منهم العالم الرباني والعابد القانت الخاشع والملتزم بالواجبات التارك للكبائر، ومنهم الظالم لنفسه بارتكاب بعض المنهيات وترك بعض الواجبات، فهم على درجات متفاوتة بالالتزام بالدين، وهم بحاجة إلى من يدعوهم برحمة ويعاملهم برفق لاختلاف عقولهم ومداركهم وتباين أفكارهم وكثرة الشبهات والشهوات وضعف اليقين والصبر عند الكثير منهم، وليس بصحيح أن يقال في المجتمع المسلم: فئة المتدينين أو رجال الدين؛ لأننا كلنا رجال دين من العلماء والمسؤولين والأطباء والمهندسين والكتاب والجنود والتجار وغيرهم، فعلى المسلم أن يتعامل مع إخوانه المسلمين ويقبلهم على اختلاف مستوياتهم في التدين.
وقد كان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يعامل المسلمين جميعا، بل عموم الناس بالعدل والحكمة والرفق، وكان يحضر مجلسه كبار الصحابة والأعراب والشعراء والأغنياء والفقراء، بل حضر اليهود والنصارى مجلسه، وأطعمهم ودعاهم بالرفق إلى دينه العظيم، حتى إنك تجد في الصحابة الأمير والعالم والعابد والشاعر والخطيب والمجتهد في التدين والمقصر على مستويات متباينة، ومقصودي من هذا أن لا نقصي طائفة داخل المجتمع المسلم لأنها لم تتشاغل بالعلم الشرعي؛ فإن لها حق الإسلام وحرمة الدين وأخوة لا إله إلا الله، فلا يقال: المتدينون والرياضيون والكتاب تحت مقصد إضفاء التدين على طائفة واحدة، بل كلهم مسلمون، بل يقال طلبة العلم والرياضيون والكتاب وهكذا؛ لأن نصب الحواجز بين أبناء الدين الواحد على غير سبب شرعي ليس منهجا صحيحا، والغلاة من كل طائفة يستثيرون خصومهم ويستفزون من يخالفهم فيرد عليهم بالمثل من الاستثارة والغلو والتنابز بالألقاب والسب والشتم، فتجد بعض المتدينين لقلة بضاعته من العلم في خصومة مع من خالفه من المسلمين، حتى في فروع المسائل يرى أنه يجب على المسلمين اتباع رأيه، وتجد بعض غلاة الكتاب يرد على المتدينين بأبشع الأوصاف وأقبح الألفاظ مما يقسم المجتمع ويثير في النفوس العداوة والبغضاء، ولو اتسعت صدورنا وارتفعت هممنا لخاطبنا إخواننا المسلمين بألطف العبارات وأجمل الأساليب؛ فإن الآراء لا تصحح بالسب والشتم، والبراهين لا تعرض بالتهديد والوعيد، لأن الحجة الصادقة الناصعة تكفي بنفسها في إثبات الحق. فرجائي أن نعترف بمستويات التدين وأن نقبل الناس على علاتهم، ولا نزكي أنفسنا، والله أعلم بمن اتقى، ولسنا نحن من يحاسب الناس، وليست في أيدينا الرحمة أو العذاب، وليست في جيوبنا مفاتيح الجنة، ونحن لم نخلق الناس ولم نرزقهم، بل نحن عبيد مثلهم.
وقد يكون بعض الناس ممن لا يشار له بالبنان أفضل عند الله ممن اشتهر بالتدين إما لسريرة صادقة أو عمل خاص متقبل أو خاتمة حسنة، فادعوا الخليقة بالرفق وعاملوهم بالعدل واشملوهم بالرحمة، وليكن إمامنا في ذلك سيد ولد آدم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي قال له ربه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ».