أخا الإسلام.. هذه نصيحة أقدمها لك ، وهدية ملؤها المحبة والتقدير أهديها إليك ، فإن عدمت منك عذراً فلا تُعدمُ منك قبولاً ، وأرجو أن تسمعها مني سماع التائب ، الناظر لنفسه بعين الذنب والتقصير ، وأرجو أن تجعلها حديث نفس إلى النفس أو حديث الروح إلى الروح ،
حديث الروح للأرواح يسري وتدركه النفوس بلا عناء
واعلم أني أولُ ما أنصح بهذا الكلامِ نفسي المقصرة ثم هي لك فعلي غرمها ولك غنمها.
أخا الإسلام.. أما آن لك أن تتوب ، أما آن لك أن ترجع إلى خالقك ومولاك ، قل بلى قد آن ، ولم لا تتوب والله يدعوك للتوبة إليه مهما كانت ذنوبك ومعاصيك : (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) (الزمر:53) .
يقول حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)) [1].
ألا تعلم يا أخي أن الله تعالى يفرح بتوبتك إذا تبت إليه مع أنه الغني عنك ، والذي لا تنفعه طاعة الطائع ولا تضره معصية العاصي ، نعم يفرح بتوبة عبده ، قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم : (( لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمةً عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" أخطأ من شدة الفرح)) .
ولكن قد تقول: كيف أتوب من الذنوب والمعاصي وأنا لم أترك شيئاً مما يعصى به الله إلا فعلته ولا تركت ذنباً إلا وقد وقعت فيه، فالتوبة مني بعيدة.
قلت لك : لا يا أخي لا تقنط من رحمة الله ، ولا تيأس من روح الله ، واعلم أن باب التوبة ما زال مفتوحاً في طريقك فأقبل على مولاك وأسرع إلى رحمته ومغفرته قبل أن توافيك المنون
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : (( أرأيت من عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئاً وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجّة إلا أتاها ، فهل لذلك من توبة ؟ قال فهل أسلمت؟، قال: أما أنا فأشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهّن قال : وغدراتي وفجراتي ؟!! قال: نعم ، قال الرجل : الله أكبر فما زال يكبر حتى توارى ))[2].
أسمعت يا أخي، فماذا تنتظر؟ لماذا تسوف التوبة ؟هل تنتظر أن تهجم عليك الرحلة التي لا محيص عنها ؟ والسفر الذي لابد منه ؟ ،إنها رحلة وأيّ رحلة ، وسفر وياله من سفر إنه : (( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)) (آل عمران:185) .
نعم يا أخي .. إنها رحلتك إلى دار الآخرة، إنه السفر الذي نسأل الله أن تكون نهايته الجنة، وليس أي سفر.
ولعظم هذه الرحلة وهذا السفر قال صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً أي والله الذي لا إله إلا هو، لو علمنا حقيقة الموت وشدته والقبر وظلمته ويوم القيامة وكربته والصراط وزلته ثم لو تأملنا الجنة ونعيمها والنار وجحيمها لتغيرت أحوال الناس ولكننا نسينا أو تناسينا هذه الرحلة وأقبلنا على معصينا وذنوبنا .
وتذكر أخي حالك وأنت تعاني من سكرات الموت التي عانى منها أحب خلق الله إلى الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، فكان يقول بأبي هو وأمي عند موته : لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ،تصور نفسك يا مسكين وقد حل الموت بساحتك ،وملك الموت واقف عند رأسك حشرج صدرك ،تغرغرت روحك ، ثقل منك اللسان ،و انهدمت الأركان ، وشخصت العينان ، أغلق باب التوبة دونك، عرق منك الجبين ، وكثر حولك البكاء ومنك الأنين ، وأنت في كرب شديد لا منجى منه ولا محيد ، تعاين هذا الأمر العظيم بعد اللذة والنعيم، قد حل بك القضاء ثم عرج بروحك إلى السماء ، فيالها من سعادة أو شقاء (( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ)) (الواقعة:83) .
أي الروح (( وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ)) (الواقعة:84) .
عاجزون عن فعل أي شيء: (( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) (الواقعة: 85،87) .