عدد المساهمات : 3460 تاريخ التسجيل : 16/08/2011 الموقع : مصريه
موضوع: قُل إِصلاح لهم خير بسم الله الرحمن الرحيم الجمعة نوفمبر 11, 2011 7:28 pm
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ
قال تعالى : (( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى )) ندخل الآن تاريخياً في عالم اليتامى إن صح التعبير : أشهر اليتامى هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكانت قريشٌ تعرفهُ بأنهُ يتيمُ أبي طالب لأنهُ نشأ في بيت أبي طالب فأبو طالب كفل النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة جده عبد المطلب .
قال شوقي : ذُكرت باليُتم في القرآن تكرمهً *** وقيمة اللؤلؤ المكنونِ في اليُتمِ
فاللؤلؤ إذا لهُ نظائر لا يُصبح لهُ مزية لكن إنفرادهُ يجعل لهُ مزية فأنت أيها النبي الكريم إنما كان تفرُدك بأن الله جل وعلا هو الذي آواك قال الله تبارك وتعالى ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى )) . فأشهر يتيم نبينا صلى الله عليه وسلم .
ثم وجد في العلماء والمشاهير عبر التاريخ يتامى كان لهم حظٌ أكبر من أشهرهم : الإمام أحمد رحمة الله تعالى عليه ، فالإمام أحمد رحمه الله تعالى نشأ يتيماً . الذي يعنينا هنا : أن عصور التربية الحديثة تقول في اصطلاح التربويين وهذا كذلك لشوقي فيه باع إن اليتيم ليس الذي فقد أباه ـ هذا في الاصطلاح الشرعي ـ لكن في الاصطلاح الحقيقي هو الذي لا يرعاه أبوه وإن كان موجوداً حياً .
قال شوقي : ليس اليتيم من انتهى أبواه من *** هم الحياةٍ وخلفاهُ ذليلا فأصاب في الدنيا الحكيمة منهما *** وبحُسن تربية الزمان بديلا إن اليتيم هو الذي تلقى له *** أُماً تخلت أو أباً مشغولا
وهذا ـ لا أُريد أن أخرج عن عظمة كلام الله لكنني أزدلف تربوياً ـ حتى وأنت تُربي لا تعلق من تربيه بك .
فإن الإنسان لا يتعلم من شيء أكثر من شيء يكتشفهُ بنفسهِ وإنما الصواب عندنا في التربية أن يكون المربي والراعي والقائم على الأمر موجهٌ من علو من بعد و لا يحاول أن يجعل ممن يُربيهِ صورةً منه .
ثم إن العاقل في تربيتهِ يتغافل عن أمور ولا يحسُن التعقيب عن كل شيء , فدع من دونك أو من تحت يدك بل دع صديقك بل دع زوجتك يُخطئ أو تُخطئ وتعود لوحدها أو يعود لوحدهِ إلى صوابه فذلك أبقى لماء وجههِ عندك .
أما إن اكتشفت أنت خطؤه وثربت عليه ولمتهُ لو عاد فإن ماء وجهه قد أُريق من قبل , يوم أن أخطأ وعلم أنك اطلعت على خطئه فإنهُ يخشى أن تُعيرهُ يوماً به .
ليس من الصواب في ظني ـ وهذا مسألة من باب الاجتهاد ـ أن يتفقد الإنسان أو الوالد أو الوالدة في كل وقتٍ وحين جوال ابنهِ بحُجة أنه يخشى عليهِ من المهالك فإنهُ لا بُد أن نُبقي من دوننا أو تحتنا في عالم خصوصيةٍ لهم .
أما كون المرء يطلع على خصوصية كل أحد فهذا يتنافى مع ما دل الشرع عليهِ ولقد شُرع الاستئذان في الدخول على أطهر بيت بيـت رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في بيت النبوة ما يُخفى ولا يُستحيى منه فالنبي صلى الله عليه وسلم قدوة في كل أمر لكن من باب أن الإنسان أحياناً لا يُحب أن يطلع أحدٌ على بعض شأنهِ .
حتى أنت أيُها المُبارك في إقامة العلاقات مع غيرك فثمة أمور لا تحاول أن تصل إليها بالسؤال فإن من معك أستاذك أو شيخك أو قرينك أو من دونك إذا كان ذا عقل فإنهُ إذا يُريد أن يُطلعك سيُطلعك من غير أن تسأله ، وما كتم الأمر عنك إلا لأنه يرغب أن لا تطلع أنت عليهِ فلو قُدر أنك اطلعت عليهِ فلا تُظهر لهُ أنك اطلعت عليهِ .
قالوا ـ وهذا قلته لكم من قبل ـ إن أمير المؤمنين عمر ابن عبد العزيز بعث أحد رسله يعني أحد حشمه وخدمه إلى ابنه عبد الملك , وكان عبد الملك ابن عمر ابن عبد العزيز شامة في جبين الدهر لكنه مات قبل أبيهِ ولهذا قال عمر لما مات ابنه عبد الملك قال : " الحمد لله الذي جعلك في ميزاني ولم يجعلني في ميزانك " موضع الشاهد : حصل بينه وبين من بعثهُ أبوه نوعٌ من الكلام وأراد الرجل أن يُخفي هذا عن عمر فقال له عبد الملك : " ولا تُخبر أمير المؤمنين بهذا " فقال الرسول المبعوث قال " وإن سألني أمير المؤمنين " ، ماذا أجاب عبد الملك قال : " لا تُخبره فإن أبي لن يسألك عن شيءٍ لم تُخبرهُ به ـ أعرف الناس بأبيهِ ـ إن أبي لن يسألك عن شيءٍ لم تُخبرهُ به " ، أبي يعلم مني أن الذي أُريد أن أُطلعهُ أُطلعه وهو لن يتفقد بالطريق التي يصل بها إلى الحد الذي يُخرجك عن مكنون التربية الحقة اعتمادهِ على نفسهِ .
ونحن نلحظ من بعض الفضلاء الذين حولنا وهم كُثر أنه من حرصهِ أجزل الله مثوبتهُ على تربية ابنهِ أنهُ إذا سافر بعضهم يتصل بأولاده ليطمئن أنهم أقاموا صلاة عظيمة كصلاة الجمعة وهذا حق ومسئولية لكن يُمكن أن تتأكد أنهم صلوا الجمعة من غير أن تجرحهم . أما بعض الفُضلاء يسأل ابنه ليتأكد ماذا قال الخطيب ؟! . أنت جعلت ابنك أمام خيارين : إما أن يتجرأ ويقول لم أذهب ، وإما أن يكذب .
وكلا الحالتين أقررتهُ على خطأ لكن مثل هذه الأمور تغفل عنها ولا يعني ذلك أبداً ـ لا يقول بهذا عاقل ـ أن تترك تربيتهم لكن بطريقةٍ أُخرى تُقنعهُ تُبين لهُ أهمية صلاة الجمعة من غير أن تجعل المسألة بينك وبينهُ بهذا الطريقة .
لأن السؤال أيها المبارك على نحوين : سؤال اتهام لا يقبلهُ حُر . وسؤال استفهام هذا أمرٌ مفتوح : تُقابلني ولا أعرفك عادل وقابل صالح أين طريق المسجد النبوي ؟ خُذ يمين واتجهِ يسار ، هذا سؤال استفهام . أما إن يأتي أحد إلى شخصٍ أكبر منه أو دونهُ ويسألهُ سؤال اتهام ويُريد إجابة فالحُر الأبي هُنا لا يُجيب لأنه لا يُوجد أحد يقبل أن يُسأل أسئلة اتهام وليس من التربية في شيء أن تسأله أسئلة اتهام .
من تحبه علّقه بالله وأول طرائق أن تُعلقهُ بالله أقطع طرائق تُعلقهُ بك لأنهُ ما دام مُتعلقاً بك لن يكمل تعلقهُ بالله لكن ابدأ بأن تُعلقهُ بالله . قد يقول قائل : كيف اطمئن عليهم ؟ ممكن أن تقول ـ حتى تُبين له فضل صلاة الجمعة وعظيمها ـ " أنا يا بُني الآن في سفر تقول له ـ المعذره حتى صوتي فيهِ بحه ـ والله أنني متعب لكن تعرف يا بُني أن هذه صلاة جمعة ما في عاقل يترك صلاة الجمعة رحتها وأنا في سفر متعب جداً حتى من أعرفهم لم يمروا علي ولم يأتوني وذهبت لأن ما في مسلم يترك صلاة الجمعة فصليت وجيت ، أنتم كيف أنتم كيف أموركم " .
ثق تماماً أن الرسالة وصلت وسيُجلّك لأدبك
وسيأتي في أيامهِ القادمة يخشى أن تتطلع عليهِ على عورة أو مثلبة فيقول في نفسهِ إن لم يكُن صلى الحمد لله الذي ستر علي ولم يسألني أبي أصليت أم لم أُصلي فيتداركها فيما أتى ، أما إن تجرأ اليوم وكذب فإن السيئة تقول أختي أختـي سيأتي بكذبات بعدها وإن تجرأ اليوم وقال لم أُصلي فإذا انتصر عليك وبينك وبينهُ مفازات ماذا ستفعل به أكثر من أن توبخهُ وتعنفهُ في الهاتف دقائق ساعات ثم لا يلبث أن تضع سماعتك فيُصبح الشيء الذي يخشاه قد وقع وإذا وقع على المرء الشيء الذي يخشاه لا يضرهُ بعد ذلك أي شيء . فإن من يخشى منك أن تصفعهُ لا يزالُ منحنياً فإذا صفعتهُ ماذا يحصل ؟ رفع رأسهُ .
أيُتها النفس أجملي جزعَ *** إن الذي تخشين قد وقعَ
هذا استطراد في قول الله تبارك وتعالى: (( قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ )) والكلام عن اليتامى وتربيتهم تكلمنا فيهِ كثيراً لكن هذا منهج قرآني نُدين الله جل وعلا به .