لاً تدل على قتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم وإن تاب
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ؛
فهذه نقول من بعض أعلام الهدى ومصابيح الدُّجى تبين أنَّ من أشقى نفسه بسبِّ نبينا صلى الله عليه وسلم قُتل وإن تاب .
وقد انتقيت ثمانية عشر نقلاً ..
ولعلي أبدأ بأقوال علماء المالكية :
1/ تفسير القرطبي : (ج2/ص49) ط دار الشعب بالقاهرة
( قال مالك في ذمي سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم : يُستتاب وتوبته الإسلام ، وقال مرة يُقتل ولا يُستتاب كالمسلم ) .
وذلك لأن سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلم أعظم كفراً كما قرره الجصاص رحمه الله في أحكام القرآن (4/276) .
ولذا فإنَّ حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين الذي يأمر فيه بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ليدل على أنَّ المسلم أولى بهذا الحكم .
2/ تفسير القرطبي ج8/ص82 :
( وقال ابن المنذر : أجمع عامة أهل العلم على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم عليه القتل ، وممن قال ذلك مالك والليث وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي ... ورُوي أن رجلاً قال في مجلس عليٍّ : ما قتل كعب بن الأشراف إلا غدراً . فأمر عليٌّ بضرب عنقه . وقاله آخر في مجلس معاوية فقــام محمد بن مسلمة فقال : أيُقال هذا في مجلسك وتسكت ، والله لا أساكنك تحت سقف أبداً ، ولئن خلوتُ به لأقتلنَّه . قال علماؤنا : هذا يُقتل ولا يُستتاب إن نسبَ الغدر للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي فهمه علي ومحمد بن مسلمة رضوان الله عليهما من قائل ذلك ؛ لأن ذلك زندقة ) .
3/ ويقرر رحمه الله هذه المسألة – كذلك- في تفسيره : ج8/ص84 .
4/ ويذكر الإمام الذهبي مذهب مالك في سير أعلام النبلاء : (8/103) مؤسسة الرسالة – ط 9
( قال مالك : لا يُستتاب من سبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم من الكفار والمسلمين ) .
5/ التاج والإكليل لمختصر خليل : (2/285-286 ) دار الفكر – ط2
( قال عياض : من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عابه ، أو ألحق به نقصاً في نفسه أو دينه أو نسبه أو خصلة من خصاله ، أو عَرَّضَ به ، أو شبَّهه بشيء على طريق السبِّ له والإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه أو العيب له فهو ساب له ، والحكم فيه حكم الساب يُقتل كما نبينه ولا نستثني فصلاً من فصول هذا الباب على هذا المقصد ولا نمتري فيه ؛ تصريحاً كان أو تلويحاً ، وكذلك من نسب إليه مالا يليق بمنصبه على طريق الذم ، ومشهور قول مالك في هذا كله أنه يقتل حداً لا كفراً ، لهذا لا تُقبل توبته ، ولا تنفعه استقالته وفيئته )
6/ ثم يستطرد صاحب التاج والإكليل (6/287) مبيناً أنه لا اعتبار لقصده فيقول :
( وقال عياض : إن كان القائل لما قاله في جهته عليه الصلاة والسلام غير قاصد السب والازدراء ولا معتقداً له ، ولكنه تكلم في حقه عليه الصلاة والسلام بكلمة الكفر من لعنه أو سبه أو تكذيبه وظهر بدليل حاله أنه لم يتعمد ذمَّه ، ولم يقصد سبه ؛ إما بجهالة حملته على ما قاله ، أو ضجر ، أو سُكر اضطره إليه ، أو قلة مراقبة أو ضبط للسانه وعجرفة وتهور في كلامه فحكم هذا الوجه حكم الأول دون تلعثم ) . أي : يُقتل بلا استتابة كما سبق ذلك له .
7/ وفيه (أي : التاج والإكليل) : 6/288
( من سبَّ الله سبحانه ، أو سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر قُتل ولم يُستتب) .
8/ التلقين في الفقه المالكي لعبد الوهاب بن علي الثعلبي : (2/506 ) المكتبة التجارية بمكة – ط 1
( ومن سب النبي صلى الله عليه وسلم قُتل ولم تُقبل توبته ) .
9/ الكافي لابن عبد البر : (1/585) الكتب العلمية ببيروت – ط 1
(كل من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم قُتل مسلماً كان أو ذمياً على كل حالٍ)
10/ حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب : (2/412 – 213) ط دار الفكر
( من عاب النبي صلى الله عليه وسلم أو ألحق به نقصاً " قُتل حداً إن تاب الخ " أي : أو أنكر ما شهدت به عليه البينة يُستعجل بقتله وإن ظهر أنه لم يرد ذمَّ النبي صلى الله عليه وسلم لجهل أو سكر أو لأجل تهور في الكلام، ولا يُقبل منه دعوى سبق اللسان ولا دعوى سهو أو نسيان ... وقيل : إنه يخير الإمام في قتل الساب المسلم أو صلبه حياً ... قوله " لأنه حدٌّ وجب فلا تسقطه التوبة " أي : كالزاني والشارب والقاتل والسارق سوى المحارب فإن حدَّ الحرابة يسقط عنه بإتيانه للإمام طائعاً ، أو ترك ما هو عليه . أما إن لم يتب فإن قتله كفر. اعلم أن ظاهر كلامهم أنه يُستعجل بقتل الساب ومثله الزنديق ولو كان قتلهما كفراً ؛ لأن التأخير ثلاثاً إنما هو في المرتد غيرهما ).
11/ بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك للصاوي : (4/241) دار الكتب العلمية - ط1
( فمن سب النبي يُقتل مطلقاً ) .
12/ ويذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (14/273) مكتبة المعارف ببيروت
في أحداث سنة 761هـ : أنَّ رجلاً كان يسب النبي صلى الله عليه وسلم فرُفع للقاضي المالكي فأظهر هذا الساب جبناً وتقيةً ، فأمر الحاكم المالكي بقتله .
وهذه أقوال الحنابلة في المسألة :
13/ الكافي في فقه ابن حنبل لابن قدامة : (4/159) المكتب الإسلامي ببيروت
( وقال الخرقي : ومن قذف أمَّ النبي صلى الله عليه وسلم قُتل مسلماً كان أو كافراً ، وقال أبو الخطاب : هل تُقبل توبة من سب الله تعالى ورسوله ؟ على روايتين : إحداهما : لا تُقبل لأن قتله موجب السب والقذف ، فلا يسقط بالتوبة كحد القذف ).
14/ المغني : (9/88) دار الفكر - ط 1
( وقذف النبي صلى الله عليه وسلم وقذف أمِّه ردةٌ عن الإسلام وخروج عن الملة ، وكذلك سبه بغير القذف )
15/ الإنصاف للمرداوي : (4/257 ) دار إحياء التراث العربي
( قال الشارح : وقال بعض أصحابنا فيمن سب النبيَّ صلى الله عليه وسلم : يُقتل بكل حال ، وذكر أن أحمد نص عليه ) .
16/ منار السبيل : (2/360) مكتبة المعارف بالرياض
( قال أحمد : لا تُقبل توبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا من قذف نبياً أو أمَّه ؛ لما في ذلك من التعرض للقدح في النبوة الموجب للكفر ) .
وهذا نقل عن الشافعية .
17/ فتح الباري : (12/281 ) دار المعرفة ببيروت
(ونقل أبو بكر أحد أئمة الشافعية في كتاب الإجماع أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم مما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء ، فلو تاب لم يَسقط عنه القتل ؛ لأن حدَّ قذفه القتل ، وحد القذف لا يسقط بالتوبة ... فقال الخطابي لا أعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلماً ).
ومن هذه النقول :
18/ أحكام القرآن للجصاص الحنفي : (4/275) دار إحياء التراث ببيروت
(وقال الليث في المسلم يسب النبي صلى الله عليه وسلم : إنه لا يُناظر ولا يُستتاب ويُقتل مكانه ) .
وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .