الهجرة النبوية
الهجرة النبوية
تنفس الإسلام فى بطاح مكة فاعتنقه فريق من ذوى العقول السليمة ، وما لبث عُبَّادُ الأوْثان أن قاموا يُؤذونهم فى أنفسهم ، ويأبون أن يقيموا شعائر دينهم ، ولقد كان هؤلاء المسلمون على إيمان أجلى من القمر، يتلألأفى سماء صافية ، فاحتملوا ذلك الأذى بصبروأناه فالإيمان يخالط بشاشة القلوب ، فيخلق من الضعف عَزْما ًومن الخمول نهوضا ، ومن الجزع صبرا ، ومن اليأس أملا ، ومن الجبن شجاعة ومن الذلة عزا .
قضى عليه الصلاة والسلام فى سبيل الدعوة بمكة ثلاثة عشر حولا وهو يلاقى نفوسا طاغية ، وألسنة ساخرة وربما لقى أيْديا باطِشة ، وكان هيِّنا على الله أن يصرف عنه الأذىجملة ، ولكنها سُنة الإبتلاء يُؤخذ بها الرسول الأكرم ؛ ليستبين للناس صبره ، ويعظم عند الله أجره ، وليتعلم دعاة الإصلاح بحق كيف يقتحمون الشدائد ، ويستهينون بما يعترضهم من الأذى ، وكان من تدبيرالله الحكيم أن قدم مكة قوم من الأوس والخزرج ، فشرج الله صُدورَهم للإسلام وبايعواالرسول عليه الصلاة والسلام على أن يكونواأنصاره إلى الله فكفى الله رسوله والمؤمنين بأس خصومهم الألداء ، وهيأ لهم من أمر الهجرة سببا .
أحس زعماء قريش بهذه المبايعة ، وانتهى بهم الحال أن يأتمروا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعتقلوه أويقتلوه ، اوحى الله إلى رسوله ما أوحى ، فبارَحَ مكة من حيث لاتراه أعينهم وحل بالمدينة حلول الغيث بالبلد الطيب ،فإذاالحكمة تدلى قطوفها ، وإذا صيحة الأذان تشق الجو ؛ تعلن عن غايتها ، وكذلك تكون عاقبة الحق حينما يشتد أعوان الباطل فى إطفاء نوره وقطع سبيله.
فإذا كان اليوم الذى خرج فيه رسول الله من مكة يوما عابثا كئيبا، فإن اليوم الذى قدم فيه المدينة يوم مشرق الطلعة باسم الثغر واضح الجبين .
ومن هنا اتفق على ان يكون مبدأ التاريخ عام الهجرة وقال الفاروق رضى الله عنه:"الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوابها" .
وإذا كانت البعثة مبدأ الدعوة إلى الحق ؛ فإن الهجرة مبدأ ظهوره والعمل به فى حالتى السر والعلانية ، ولا يبلغ قول الحق غايته ويأتى بفائدته كاملة إلا أن يصبح عملا قائما ، وسيرة مُتبَّعة ؛ فالهجرة النبوية كانت مبدأ عظمة الإسلام ، ومطلع حرية الأمة الإسلامية ، ويحتفل المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها بذكرى ذلك اليوم الذى فرق الله فيه بين الحق والباطل ، واليوم الذى أستقل المسلمون بأمرهم ، ونالوا الحرية فى عبادة ربهم .
طهر محمد صلى الله عليه وسلم جزيرة العرب من عبادة الأوثان ،وسار على نهجهه أصحابه رضى الله عنهم فى كل وطن نسجت فيه عناكب الشرك ، وأبادوا الأصنام وما يشبه الأصنام كمعابد النار.
وتفقهوا فى الدين ؛ فأخذوا فى إبعاد الناس عن عقيدة الشرك بطريق الحزم وسد الذرائع التى قد تفضى إليه ، وشاهد هذا أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه بلغه أن قوما يأتون الشجرة التى وقعت تحتها بيعة الرضوان ؛ فيصلون فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت .فليرفع الفتى المسلم رأسه معتزا بدين رفع الإنسانية من حضيض الجهل إلى أوج العلم ، وهداها سُبُل السعادة والمدنية المُهذبة"ومَن أحْسَن قوْلا ًمِمَّن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال أننى من المسلمين
وكل عام وأنتم بخير جعلنا الله جميعا فى زمرة عبيده ، عبودية تملؤ قلوبهم بحب الله ورسوله.