تاريخ جزر القمر
تاريخ القمر
صفحات مطوية من تاريخ جزر القمر
بقم / زين العابدين محمد كمال عبد الحميد *
مقدمة :
إنَّ المفارقةَ اللافتةَ للنظرِ حقًا هِيَ أنَّ كثيرًا مِنَ الدارسينَ والباحثينَ المتخصصينَ قَدْ انصرََفُوا عَنِ البحثِ فِي تاريخ جُزُر القَمَرِِ، وذلكَ عَلَى الرغمِ مِمَّا كَانَتْ تُمثلهُ الجُزُرُ عَِبْرَ أزمانِ التاريخِ المختلفةِ مِنْ بوتقةٍ انصهرتْ فِيهَا أجناسٌ عديدة ٌاستطاعتْ أنْ تكْتُبَ تاريخًا مضيئًا امتدَّ عمرُهُ لقرونٍ غائرةٍ فِي القِدَمِ ، حيثُ كَانَتْ الجُزُرُ ولا تَزَالُ تُمثِّلُ عتباتٍ مِنَ اليابسِ شمالَ غربيِّ قناةِ موزمبيقَ ، عِنْدَ منتصفِ الطريقِ بَيْنَ قارةِ إفريقيَةِ وجَزِيْرَةِ مدغشقرَ، الأمرُ الَّذِِيْ لَمْ يكنْ لييسِرَ لَهَا أمورَهَا بحالٍ مِنَ الأحوالِ بأنْ تظلَّ بمنعزلٍ عَنْ سير حوادثِ التاريخِِ بتلكَ البقعةِ المُهمَّةِ مِنَ المحيطِ الهنديِّ ، وبقدرِ مشاركةِ الجُزُرِ الزَّاخرةِ فِي تاريخِ القارةِ الإفريقيَّةِ والمحيطِ الهنديِّ بصفةٍ خاصَّةٍ ، والتاريخ العالميِّ بصفةٍ عامَّةٍ ، بقدرِ مَا يأسفُ المرءُ عَلَى ندرةِ الدراساتِ المُتَخَصِّصَةِ والمتعلقةِ بتاريخِهَا ، وَهُوَ مَا أصَابَ تاريخَهَا بكثيرٍ مِنَ الغموضِ ، وَكَذَا الخلطُ الواضحُ فِي أغلبِهِِ بَيْنَ الحقيقةِ والافتراءِ ، ولا غرابةَ بَعْدَ ذلكَ كُلِّهِ أنْ صَارَ طيَّ النسيان .
والواقعُ أنَّ كتابةََ التاريخِ حتَّى الآن لم تُعْطِ سوى القليلِ ِمنَ العنايةِ لِهَذِهِ الجُزُرِ فِي الوقتِ الَّذِيْ لا نشكُ فِي الدورِ التاريخيّ الَّذِيْ لعبتْهُ جُزُرُ القَمَرِ عَلَى مدارِ حُقبِ تاريخِهَا الطويلِ نتيجةً لموقِعِهَا الجغرافيِّ الفريد ، خاصَّةً لمواجهتِهَا لسَاحلِ شرقيِّ إفريقيةِ، وكَذَا مجاورتُهَا لجُزُرِ المحيطِ الهنديِّ ، ولا سيَّمّا جَزِيْرَةَ مدغشقرَ، وجُزُرَ ريونيونَ وموريشيوس وسيشل وزنجبار وبمبا وغيرِهَا مِنْ جُزُرِ غربيّ المحيطِ الهنديِّ، وقَدْ شَكَّلَتْ جُزُرُ القَمَرِ نقاطاً مُهمَّة بالنسبةِِ للسفنِ المتَّجهةِ لسَاحلِ شرقيِّ إفريقيةِ، وكذلكَ المُبحرَة ُصوبَ الهندِي ، وَمِنْ ثمَّ عُدَّتْ جُزُرُ القَمَرِ خلالَ العصرِ الاستعماريِّ حلقةً مِنْ حلقاتِ التنافسِ الاستعماريِّ الفرنسيِّ البريطانيِّ التقليديِّ مِنْ أجلِ السيطرةِ عَلَى الطريقِ المؤدِي إلى الهندِ هَذَا مِنْ جهةٍ، ومِنْ جهةٍ أخرَى الاستحواذ والسيطرة ُعَلَى النقاطِ الاستراتيجيَّةِ المُهمَّةِ الَّتِي كَانَتْ تُعَدُّ بمثابةِ نقاطٍ تلتقِي عندَهَا البحَارُ والخلجانُ، وَكَذَا أطرافُ قارتي إفريقية وآسيا خلالَ القرن التاسع عشرَ الميلاديِّ.
تاريخ القمر
وما فتِئَ أرخبيلُ القمَرِ أنْ شكَّلَ خلالَ تاريخِهِ موقعًا متقدمًا للثقافةِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ عَلَى طولِ السَّاحلِ الشرقيِّ لقارةِ إفريقية غربيِّ المحيطِ الهنديِّ، وَمِنْ ثمَّ فلمْ يكنْ مِنَ المُمكِنِ أنْ يظلَّ تاريخُ جُزُرهِ غائبًا هكذا عَنْ الذاكرةِ العربيَّةِ، وأنْ تخلوَ المكتبة ُالعربيَّةُ تمامًا مِنْ أيِّ مصدرٍ متخصصٍ يكشفُ لَنَا عَنْ هذا التاريخ، الَّذِي أعْتُبرَ طيَّ المجهولِ والنسيانِ.
الموقع ، امتدادُ :
يمتدُّ أرخبيلُ القَمَرِ مِنَ الشمالِ الغربيِّ إلى الجنوب الشرقيِّ عَِبْرَ النهايَّةِ الشماليَّةِ لقناةِ موزمبيقَ ، بَيْنَ دائرتي عرض 20َ.11ْ، و 4َ.13ْ جنوبًا ، وبَيْنَ خطيِّ طول 11 َ.43ْ ، و 19َ.45ْ شرقاً ، عَلَى مساحةٍ بَحْرِيَّةٍ تُقدرُ بنحوِ 26000كم2 .
سَبَبُ التَّسميَّة :
تُثارُ تساؤلاتٌ عَنْ سَبَبِ تسميَّةِ جُزُرِ القَمَرِ بِهَذَا الاسمِ ، فِي الوقتِ الَّذِيْ لمْ تَصِلْ فيهِ المصَادرُ العربيَّةُ إلي سَبَبٍ واحدٍ لتلكَ التَّسميَّةِ ، أو حَتَّى أنَّهَا ذَكّرَتْ اسمًا آخَر لَهَا ، ونتيجةً لذلكَ تَضَارَبتْ الآراءُ وتبايَنَتْ حَوْلَ سَبَبِ التَّسْميَّةِ، فهُنَاكَ مَنْ يَنْسِبُهَا إلي القَمَرِ، وذلكَ بدَعْوَى أنَّ الشكلَ العامَ للجُزُرِ يُشْبِهُ الهلالَ ، كَمَا أنَّ أهمَ الجُزُرِ أربعةٌ موزعة ٌبنظامٍ فِي مواقِعَ متخذةً شكلَ أربعةٍ مِنَ أوجُهِ القَمَرِ الرئيسيَّةِ ، لِذَا سَمَّاهَا العربُ بِهَذَا الاسمِ ، وَربَّمََا أيضًا لأنَّ هَذِهِ المِنطقةِ مِنْ نِصفِ الكرةِ الجنوبيِّ ، والَّذِيْ اصْطُلِحَ عَلَيْهِ فلكيًا باسمِ طريقِ التَّبانةِ (The Milky Way ) ، وَهِيَ مليئة ٌبالسحبِ ، وَلَمْ يكنْ ضوءُ القَمَرِ يظهرُ بهَا بوضوحٍ إلا فِي تلكَ الجُزُرِ مِنَ المحيطِ الهنديِّ ، عَلَى أنَّ هُنَاكَ مَنْ يفترضُ أنَّهُ ربَّمَا كَانَتْ كلمةُ كُومُورُو، كلمة ٌمِنَ العاميَّةِ السُّوَاحِيليَّةِ بمعنى ( النارُ الَّتِي تأتِى ) نتيجةً لثوراناتٍ بركانيَّةٍ، وَيَذهَبُ رأيٌ آخرٌ إلي احتمالِ أنْ تكونَ جُزُرُ القَمَر قَدْ استقتْ اسْمَهَا مِنْ قبيلةِ القَمَرِ الَّتِي كَانَتْ تستوطنُ جنوبَ شِبْهِ الجَزِيْرَةِ العربيَّةِ ، وَهِيَ تُمثََّلُ الآنَ فِي عُمان مِنْ قِبَلِ بَنِي ريام (Bani.Ryam) فِي جبلِ القادرِ، وكذلكَ مِنْ قِبَلِ بَنِي حديد ، فِي حينِ ينسِبُهَا أحمدُ بنُ ماجدٍ(1) ، إلي قامرانَ بنِ عامرٍ بنِ سامَ بن نوح - عَلَيْهِ السلامُ- غيرَ أنَّهُ نَطَقَهَا القُمرَ( بضَمِ القافِ ) ، فيقولُ : وَجَزِيْرةِ القُمرِ منسوبة لقامرانَ بنَ عامرٍ بنِ نوح ، وَينطِقُهَا يَاقوتُ الحمويُّ القُمْرَ ( بضمِّ القافِ وسكُونِ الميمِ )، وذلكَ بدَعْوَى أنَّهَا نسبة إلى طائِرِ القُمْريِّ ، حيثُ ينتشرُ بكثرةٍ فِي أرجاءِ جَزِيْرَةِ القَمَرِ، فيذكرُ : إنَّ القُمْرَ بالضمِِّ ثُمَّ السكونِ جَمْعُ أقمَرَ وَهُوَ الأبيضُ شديدُ البياضِ ، وَمِنهُ سُمِّىَ القُمْري مِنَ الطيرِ ، وقُمْرٌ بلدٌ بمِصْرَ ، والقُمْرُ أيضًا جَزِيْرَةٌ فِي وسطِ بَحْرِ الزنج ، وليسَ فِي ذلكَ البَحْرِ جَزِيْرَةٌ أكبرُ مِنهَا ، فِيْهَا عدةُ مدنٍ وملوكٍ كُلَّ واحدٍ يُخالِفُ الآخرَ.
وعَلَى أيَّةِ حَالٍ فإنَّ العربَ الأولينَ ينطِقُونهَا القُمْرَ( بضمِّ القافِ وسكُونِ الميمِ ) وقدْ تُحَرَّكُ الميمُ فُتُلفظ ُ قُمُرٌ( بضمِّ الميمِ ) ، غيرَ أنَّهُ صَارَ مِنَ الشائِع تَدَاولُ لفظةِ القََمَرِ( بفتح القافِ والميمِ ) ، ومِنْهَا أخذ الأوروبيونَ لفظةَ كومورو(Comoro) وذلكَ بعدَ أنْ حرَّفُُوهَا مِنَ اللفظةِ العربيَّةِ.
*أهَمُ المجموعاتِ العِرْقيَّةِ بجُزُرِ القَمَرِ :
لا يَنْتَمِي سُكَّانُ جُزُر القَمَرِ إلى سلالةٍ بعَيْنِهَا ، بَلْ هُمْ مَزِيَّة ٌمعقدة ٌمِنْ أصولٍ مختلفةٍ وعناصرَ متنوعةٍ مِنَ البانتو والعربِ والإندونيسيينَ والملاويينَ والهنود والصينيينَ ، ويظهرُ ذلكَ بجلاءٍ فِي ملامح السُّكَّانِ ، فقدْ نَشَأتْ عَنْ اختلاطِ هَذِهِ العناصرِ ، خاصَّة البانتو و الملجاش والماليزيينَ سلالة تُعْرَفُ بالعرقِ القُمُوريِّ أو القَمَريِّ ، وَنَتَجَ عَنْ هَذَا الاختلاطِ فِي جَزِيْرَةِ مايوتَ مَا عُرِفَ بالعرقِ الماهورى ، ومِنْ ثمَّ تعَدَدتْ اللغاتِ واللهجاتِ القَمَريَّةِ
*أهَمُ المجموعاتِ العِرْقيَّةِ بجُزُرِ القَمَرِ :
لا يَنْتَمِي سُكَّانُ جُزُر القَمَرِ إلى سلالةٍ بعَيْنِهَا ، بَلْ هُمْ مَزِيَّة ٌمعقدة ٌمِنْ أصولٍ مختلفةٍ وعناصرَ متنوعةٍ مِنَ البانتو والعربِ والإندونيسيينَ والملاويينَ والهنود والصينيينَ ، ويظهرُ ذلكَ بجلاءٍ فِي ملامح السُّكَّانِ ، فقدْ نَشَأتْ عَنْ اختلاطِ هَذِهِ العناصرِ ، خاصَّة البانتو و الملجاش والماليزيينَ سلالة تُعْرَفُ بالعرقِ القُمُوريِّ أو القَمَريِّ ، وَنَتَجَ عَنْ هَذَا الاختلاطِ فِي جَزِيْرَةِ مايوتَ مَا عُرِفَ بالعرقِ الماهورى ، ومِنْ ثمَّ تعَدَدتْ اللغاتِ واللهجاتِ القَمَريَّةِ.
وأهَمُ المجموعاتِ الَّتِي تَسْكُنُ جُزُرَ القَمَرِ حاليًا هِي :
1- العربُ : هُمْ يُشكِّلُونَ نَحْوَ ثلثِ السُّكَّانِ ، وَتَعُودُ صلَتُهُمْ بجُزُرِ القَمَرِ إلى فترةِ مَا قبلَ الإسلامِ ، وقدْ جاءُوا مِنْ جنوبيِّ شبهِ الجَزِيْرَةِ العربيَّةِ ومنطقةِ الخليج العربيِّ خاصَّةً مِنْ عُمانَ وحضرموتَ واليمنِ ، ويُنسَبُ للعربِ فضلُ نشرِ الدينِ الإسلاميِّ بَيْنَ ربوعِ جُزُرِ القَمَرِ.
2- الأفارقة ُ: وَهُمْ يُمثِّلُونَ 55% مِنَ السُّكَّانِ تقريبًا، ويُعتقدُ أنَّهم جَاءُوا بصحبةِ التُّجَّارِِ العربِ مِنْ سَاحلِ شرقيِّ إفريقيةِ إلى جُزُرِ القَمَرِ ، وهَذِهِ الفئة ُ تتمثلُ فِي الماكوا (Makuas) والكافيرز (Cafres).
3- الشيرازيونَ : وَفَدُوا إلى جُزُرِ القَمَرِ مِنْ شيرازَ ببلادِ فارسِ خلالَ القرنِ الخامسِ عشرَ الميلاديِّ بسببِ النزاعاتِ المذهبيَّةِ ، وقدْ اخْتَلَطُوا بالعربِ والأفارقةِ ، وهُمْ يُشكِّلُونَ نَحْوَ5.3% مِنْ إجماليِّ السُّكَّانِ.
4- الجماعاتُ البولينزيَّة ، أوالملاويَّة: وَتَشْمَلُ الواماتساها(Wamtsaha) ، وَهُمْ خليط ٌمِنَ البوشمن والجنس الماليزي ، وَهُمْ يَقْطُنُونَ جَزِيْرَةَ أنجوانَ ، ثمَّ الأنتالوتس(Antalotes) ، وهُمْ عبارة ٌعَنْ خليطٍ مِنَ الدماءِ الملجاشيَّةِ- ذاتَ الأصولِ الملاويَّةِ - ، والدماءِ العربيَّةِ ، الَّتِي وفدتْ مِنَ البَحْرِ الأحْمَرِ والخليج الفارسيِّ ، وتشكِّلُ هَذِهِ الجماعَاتُ نَحْوَ 6% مِنْ إجماليِّ السُكَانِ.
بالإضافةِ إلَى هَذِِهِ المجموعاتِ العرقيَّةِ السابقة هُنَاكَ فئة صغيرة ٌمِنَ السُّكَّانِ جَاءتْ نتيجةً لتزاوج المستوطنينَ الفرنسيينَ مَعَ السُّكَّانِ المحليينَ ، ويُعْرَفُونَ باسمِ الكرويول(Creoles) ، ولهذهِ الفئةِ نفوذ سياسيٌ بارزٌ فِي جَزِيرَةِ مايوتَ الَّتِي لا تزالُ خاضعة للإدارةِ الفرنسيَّةِ ، كَمَا توجدُ أيضًا فئة ضئيلة تَنَحَدِرُ مِنْ أصولٍ برتغاليَّةٍ ، وَهُمْ أحفادُ البَحَّارةِ البرتغاليينَ الَّذِينَ نزلُوا جُزُرَ القَمَر فِي مطلع القرن السادس عشرَ الميلاديِّ، وَتُشَكِّلُ هاتان الفئتان معًا أقلَ مِنْ 5.0 % مِنْ إجماليِّ السُّكَّانِ.
هذا وَيَدِينُ معظمُ سُكَّانِ جُزُرِ القَمَرِ بالدينِ الإسلاميِّ ، عَدَا فئةٍ ضئيلةٍ مسيحيَّةٍ مِنَ الكرويول ، وَهِىَ تتركزُ فِي جَزِيْرَةِ مايوتَ كَمَا سَبَقَ ذِكرُهُ .
* دُخُوْلُ الإسْلاَمِ فِي جُزُرِ القَمَرِ: ارتبط َ انتشارُ الإسلام فِي سَاحلِ شرقِيِّ إفريقيةِ بوجْهٍ عام ، وجُزُرِ القَمَرِ بوجْهٍ خاصٍ بنشاطِ العربِ التُّجَارِيِّ ، والهجراتِ سَوَاءٌ العربيَّة مِنْهَا أو الفارسيَّة ُ، ولاسيَّمَا الهجرةُ الشيرازيَّة ، ونتيجةً للعاملِ الجغرافِيِّ المتمثِّلُ فِي قربِ الجَزِيْرَةِ العربيَّةِ وبخاصَّةً جنوبَهَا مِنْ سَاحلِ شرقِيِّ إفريقيةِ ، وَهُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ كوبلاند(Coupland) بأنَّهُمْ كَانُوا جيرانَ (they were .next .door .neighbors ) ، إذ تَبلُغُ المسافةُ مِنْ زنجبارَ وَحَتَّى عدنِ حوالي 1.700ميل ، ومِنْ زنجبارَ وَحَتَّى مسقطِِ حواليْ 2.200ميل ، بالإضافةِ إلى دوريَّةِ هبوبِ الرياح التُّجَارِيَّةِ الموسميَّةِ عَلَى المحيطِ الهنديِّ ، فتهبّ الرياحُ الشماليَّةُ والشماليَّةُ الشرقيَّةُ وذلكَ مِنْ بدايةِ ديسمبرَ ، ويستمرُ هبوبُهَا بانتظام حَتَّى نهايةِ فبرايرَ ثُمَّ ينعكسُ الأمرُ، فمِنْ أبريلَ تهبُ رياحٌ قويَّة مِنَ الجنوبِ والجنوبِ الغربيِّ ، وهكذا أصبحَ التُّجَّارُ العربُ يُنظمُونَ رحلاتِهم للساحلِ الأفريقيِّ المقابل لهُم حسبَ مواسم الرياح المنتظمةِ والمعروفةِ لهم.
فأبْحَرُوا بواسطةِ السفنِ الشراعيةِ المعروفةِ بالدواتِ ( dhows )(2) ، عَلَى طولِ السَّاحلِ الشرقيِّ لإفريقيةِ حَتَّى موزمبيقَ حاليًا، وَجَدِيرٌ بالذكرِ أنَّهُ مَعَ تكرارِ الزياراتِ مِنْ ِقبَلِ العربِ للسَّاحِلِ الشرقيِّ لإفريقيةِ ، فقدْ نشأتْ مَا عُرِفَ بإماراتِ السَّاحِلِ مثلَ: قسماي وبراقا ومالندى وممبسة وزنجبار وكلوة وسُفَالة ومقديشو، وغيرها.
ولِهَذَا كَانَ للعربِ الدورُ الأكبرُ والحاسمُ فِي نشرِ الإسلام والثقافةِ العربيَّةِ الإسلاميَّةِ فِي سَاحلِ شرقيِّ إفريقيةِ والجُزُرِ المواجهةِ لَهُ ، فنشأتْ بجهودِهِمُ مدنٌ ومراكزٌ تُجَارِيَّة ٌ اعتزّوا فِيها بدينِهم واحترامِهم لأنفسِهم ، فتركَ ذلكَ انطباعًا طيبًا فِي نفوس الأفارقةِ ، جَعَلَ الكثيرينَ منْهمُ يُقبلونَ عَلَى الدينِ الإسلاميِّ ، ومن ناحيةٍ أخْرَى كَانَ اختلاط ُ العربِ المسلمينَ الوافدينَ إلى السَّاحِلِ بالأفارقةِ ، وتَزَاوجهُمْ مِنْ بناتِهِم خطوة لِمَا هُوَ أبعدُ مِنْ ذلكَ ، إذ أدركَ الأفارقة ُ أنَّ الدينَ الإسلاميَّ يقومُ عَلَى مبدأِ الأخوَّةِ والمساواةِ ، ونظرُوا إليهِ عَلَى أنَّهُ دينٌ للسودِ والبيضِ معًا.
وَجَدِيرٌ بالإشارةِ هُنَا أنَّ الحماسَ الدينيَّ دَفَعَ بإماراتِ السَّاحِلِ الإسلاميَّةِ إلى الجهادِ فِي سبيلِ اللهِ بهدفِ درءِ الخطرِ الَّذِيْ يَحِيقُ بالإسلام ، فيصفُ ابنُ بطوطة أهلَ كلوة بأنَّهُمْ أهلُ جهادٍ لأنَّهُم فِي بَرٍّ واحدٍ متصلٍ مَعَ كفارِ الزنوج ، والغالبُ عَليْهِم الدينُ والصلاحُ.
وَفِى موضع آخرَ يشيدُ ابنُ بطوطة بفضائِلِ سلطانِ كلوة ، وحُسنِ دينِهِ وَخُلُقِهِ وحبِهِ الشديدِ للجهادِ فِي سبيلِ اللهِ ، فيقولُ : وكَانَ سلطانُهَا فِي عهدِ دخولِي إليهَا أبُو المظفَّر حسنُ ، ويُكنًّى أبُو المواهبِ لكثرةِ مواهبهِ ومكارمهِ ، كَانَ كثيرَ الغَزْوِ إلى أرضِ الزنوجِِِ يَغيرُ عَلَيْهِمْ ، ويأخذ ُ الغنائمَ يُخرجُ خُمسَها ويَصْرفهُ فِي مصارفِهِ المعينةِ فِي كتابِ اللهِ تعالى ، ويجعلُ نصيبَ ذوىْ القُربَى فِي خزانةٍ عَلَى حِدَه ، فإذا جَاءَهُ أحدُ الشرفاءِ دَفعَهُ إليهم ، وكَانَ الشرفاءُ يقصدُونَهُ مِنَ العراق والحجاز وسوَاها ، ورأيتُ عندَهُ مِنْ شرفاءِ الحجازِ جماعة مِنْهُم محمدُ بنُ حجاز ، ومنصورُ بنُ لبيدة بن أبى نمى ، ومحمدُ بن نميلة بن أبى نمى ، ولقيتُ بمقديشو تبلَ بنَ كُبيش بن جماز وهُوَ يريدُ القدوم عليه ، وهذا السلطانُ لَهُ تواضعٌ شديدٌ ، ويجلسُ مَعَ الفقراءِ ، ويأكلُ مَعَهُم ، ويُعظمُ أهلَ الدينِ والشرفِ.
وقدْ ارتبطتْ كلوة مَعَ باقي إماراتِ الساحلِ اقتصاديًا بواسطةِ شبكةٍ تُجَاريَّةٍ قويَّةٍ كَانَتْ جُزُرُ القَمَرِ جُزءً مِنْهَا ، حيثُ تؤكِّدُ الكتاباتُ التاريخيَّةُ القَمَريَّة ُ للجُزُرِ عَلَى شدةِ ارتباطِ الجُزُرِ بالشيرازيين - حكام كلوة -، كَمَا تؤكِّدُ عَلَى التأثيرِ الثقافيِّ العام للساحلِ السُّواحيليِّ الشماليِّ عَلَى المدنِ البَحْرِيِّةِ للأرخبيلِ.
وَمَعَ ازدهارِ الوكالاتِ التُّجَّاريَّةِ بساحلِ شرقيِّ إفريقيةِ ، وتفتح الثقافةِ البَحْرِيَّةِ السواحليَّةِ ترددتْ جماعاتٌ مِنَ المسلمينَ القادمينَ مِنْ هذا السَّاحِلِ الشرقيِّ لإفريقيةِ عَلَى جُزُرِ القََمَرِ وجَزِيْرَةِ مدغشقرَ ، وأُقيمتْ آنذاكَ مبادلاتٌ مسترسلة ٌ بَيْنَ ضفتَيْ قناةِ موزمبيقَ (3).
وكَانَتْ هَذِهِ العلاقاتُ عَلَى أحسنِ مَا يُرَامُ ، ناهينا أنَّ جالياتٍ مِنَ السُّكَّانِ المسلمينَ قدْ استقرَّتْ فِي أرخبيلِ القَمَرِ ، وفِي بعضِ المناطق مِنْ جَزِيْرَةِ مدغشقرَ.
ومِنْ منطلقِ الموقعِ المركزيِّ جغرافيًا لجُزُرِ القَمَرِ ، ومَا تُشَكِّلُهُ مِنْ سلسلةٍ طبيعيَّةٍ مِنَ اليابسِ فِي غربيِّ المحيطِ الهنديِّ شماليِّ قناةِ موزمبيقَ ، تتوسط ُ بهِ الطريقَ بَيْنَ إفريقيةِ الشرقيَّةِ وجَزِيْرَةِ مدغشقرَ ، هذا فِي الوقتِ الَّذِيْ قامتْ فيهِ الإمبراطوريَّةُ التُّجَارِيَّة ُ الإسلاميَّة ُ المُؤلَّفة ُ مِنْ إماراتِ السَّاحلِ الإسلاميَّةِ أسفلَ السَّاحلِ الشرقيِّ لإفريقيةِ فِي غضونِ القرنِ الثاني عشرَ الميلاديِّ والَّتِي اعتمدتْ تِجَارَتُهَا عَلَى تصديرِ الذهبِ والعاج ، وسلعٍ أخرَى إلى كُلٍّ مِنَ الخليج العربيِّ والهندِ ، وكَانَتْ كلوة تُمثلُ أكثرَ هَذِهِ الإماراتِ الإسلاميَّةِ أهمية ً مِنْ حيثُ التِِّجَارَةِ والمكانةِ السياسيَّةِ ، وكَانَ طبيعيًا أنْ ينموَ الطريقُ التُّجَارِيّ مِنْ جنوبِ شرقيِّ كلوة مرورًا بجُزُرِ القَمَرِ ، وَحَتَّى جَزِيْرَةِ مدغشقرَ ، وإزاءَ هذا الازدهارِ الاقتصاديِّ الَّذِيْ شَهِدَهُ السَّاحلُ السُّواحيليّ صَارتْ جُزُرُ القَمَرِ تُمثلُ محطاتٍ فِي طريقِ هَذِهِ التِّجَارَةِ الإسلاميَّةِ النشطةِ فِي المحيطِ الهنديِّ تتوقفُ عِنْدَهَا السفنُ الآتية مِنْ كلوة ، ومتجهة ً إلى جَزِيْرَةِ مدغشقرَ ، وغيرِهَا بصورةٍ منتظمةٍ ، وفِي هذا السياقِ يذكرُ نويت ميلان نقلاً عن أحمد بن ماجد : أنَّ مدينة َ دومونى والَّتِي تقعُ عَلَى سَاحِلِ جَزِيْرَةِ أنجوان ، وغيرِهَا مِنَ المدنِ القمَريَّةِ أماكنٌ يتجمعُ فِيهَا الناسُ للبيع والشراءِ بالإضافةِ إلى التزودِ بالمؤنِ ، فيصفُ أحدُ البَحَارةِ البرتغاليينََ ، ويُدْعَى تريستادا كونها(Tristan.da.Cunha) مَا تحوِيْهِ مِنْ مؤنٍ ، فيقولُ : يوجدُ فِي الجُزُرِ العديدُ مِنَ المؤنِ مِنَ الدَّخنِ والأرزِ والأبقارِ والأغنام والطيور ، ومِنْهَا تتزودُ كُلٌ مِنْ كلوة ومُمْبسَّة بمَا تحتاجهُ مِنْ مؤنٍ.
ومِمَّا سَبَقَ يتضِحُ أنَّ العاملَ التُّجَّارِيِّ كَانَ أساسيًا فِي انتشارِ الإسلام ، والثقافةِ الإسلاميَّةِ فِي جُزُرِ القَمَرِ، وَهُوَ مَا يؤكِّدُ عَلَى اعتمادِ دخولِ الإسلام فِي أرخبيلِ القَمَرِ عَلَى الطرقِ السلميَّةِ مَعَ التُّجَّارِ العربِ المسلمينَ ، والجماعاتِ الََّتِي هاجرتْ إلى الجُزُرِ ، وكذلكَ نتيجةً للاتصالِ البَحْرِيِّ المستمرِ .
وتتحدثُ رواياتٌ قمَريَّة عَنْ بداياتِ الإسلام فِي جُزُرِ القمَرِ ، وعَنْ سَبِبِ انتشارِهِ فيها، فيذكرُ أوجاس (Aujas) رواية اعتمدَ فِي سردِهَا عَلَى مخطوطةٍ عربيَّةٍ عُثِرَ عَلَيْهَا فِي أرشيفِ جَزِيْرَةِ مايوتَ ، وَهِىَ لمؤرخ مجهولِ ، جَاءَ فِي مضمونِهَا أنَّهُ فِي عام 700هـ/1304م ، وَصَلَ إلى جَزِيْرَةِ أنجوانَ رجلٌ عربيٌ مجهولٌ تَزَوَّجَ مِنْ ابنةِ السلطانِ الأولِ لِجَزِيْرَةِ أنجوانَ ، ولا تذكرُ المخطوطة شيئًا عَنْ هذا السلطانِ الأولِ ، كَمَا أنَّهَا لَمْ تذكرْ شيئًا عَنْ السُّكَّانِ الأوائلِ للجَزِيْرَةِ ، غيرَ أنَّهَا تذكرُ أنَّ هذا الزواجَ قدْ أثمرَ عَنْ أولِ هؤلاءِ السلاطينِ العربِ ، والَّذِيْ يُدْعَى فانى غوارو(Fani.Gouaro) ، وقدْ أسَّسَ عاصمتَهُ فِي ِستوا (Sitoa) عَلَى السَّاحِلِ الشماليِّ الغربيِّ لِجَزِيْرَةِ أنجوانَ ، وبعدَ أربعةِ أجيالٍ لاحقةٍ وَصَلَ إلى جَزِيْرَةِ أنجوانَ حسَّانُ بنُ عيسى الفارسيّ ( الشيرازىُّ ) ، ليتزوَّجَ مِنْ ابنةِ السلطانِ ، وليُطلقُ عَلَى نفسِهِ بعدَ ذلكَ سلطانًا، وبعدَ وفاتِهِ عام 834هـ/1438م خَلَفَهُ ابنُهُ محمدُ بنُ عيسى أو مشيندرا (Mouchindra) ، وقدْ تَزَوَّجَتْ ابنتُهُ والَّتِي كَانَتْ تُدْعَي دجومب حاليما(Djumbe.Halima) مِنْ ابنِ سلطانِ بات (Pat) ، ويُدْعَى موجنى علوي (Mogne.Alloui) ، غيرَ أنَّهُ لَمْ يكنْ سلطاناً عَلَى الجَزِيْرَة ِ، بَلْ كَانَ رفيقاً للسلطانةِ فقط .
ويذكرُ كُلٌ مِنْ فونتيونون و رومانداهى(Fontoynont,et Raomandahy) رواية قدْ أخَذَهَا مِنَ الموروثِ التقليديِّ عَنْ دخولِ الإسلام لِجَزِيْرَةِ القمَرِ الكُبْرَى تقولُ : إنَّ زعيمَ قريةِ باتسا Batsa)) القريبةِ مِنْ ايتساندرا (Itsandra) ، ويُدْعَى فسماى (Fesimay) قدْ جَاءَ إلى بلدةِ تساوينى (Tsaoueni) لأجلِ أنْ يتزوَّجَ مِنْ موانا ندر ولى عبد الله (Mouana.Ndroli.Abdallah)، وكَانَ قدْ أخبرَهُ المواليمو(Moualimou) (4) ، بنبئوةٍ تحْملُ عَلَى الخطرِ إذا مَا أنجبتْ موانا ندرولى طفلاً ذكرًا ، عَلَى أنَّهُ إذا حدث العكسُ وأنجبتْ أنثى لسوفَ تأتى السعادةُ لكن موانا أنجبتْ ولدًا فمَا كَانَ مِنْ أبيهْ فسماي أنْ عَزَمَ الأمرَ عَلَى قتْلِهِ ، فذهب مَنْ يُخبرُ أمُهُ موانا بذلكَ الأمرِ، فأسرعتْ بالهربِ بابْنِهَا مِنْ وجهِ أبيهِ ، وقدْ عُرِفَ هذا الابنُ باسمانِ وهُمَا متسو مويندجى ((Mitsou..Moindji ، و ماسى فاسماي (Mhassi..Fassimay) وقدْ صَارَ فِيمَا بعدُ سلطاناً عَلَى مفومى (Mfaoumi) ، وعِندَمَا بلغَ الخامسة والأربعينَ عامًا عَلِمَ مِنَ العربِ الَّذِينَ استقرُّوا بجَزِيْرَةِ القمَرِ الكُبْرَى أمرَ الإسلام لهذا قرَّرَ الرحيلَ إلى مكة المكرمةِ للقاءِ نبي الإسلام ، سيدنا محمد - صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَمَ - ، واصطحبَ مَعَهُ خلالَ رحلتِهِ إلى مكة المكرمةِ فبيجا مامبوى (Febedja. Mamboue) سلطان دومبا Domba)) ، بَيْدَ أنَّ وُصُولَهُمْ لمكةَ جَاءَ بعد وفاةِ النبي - صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ - ، وعندئذٍ عادَ فبيجا مامبوى إلى جَزِيْرَةِ القمَرِ الكُبْرَى ، بينمَا قرَّرَ ماسى فاسماي البقاءُ بالجَزِيْرَةِ العربيَّةِ ، حيثُ مَكَثَ مدة َعامينَ تَعَلَّمَ خلالَهُمَا القرآنَ الكريمَ ، وتعاليمَ الدينِ الإسلاميِّ ، ثُمَّ واصَلَ رحلتَهُ إلى المدينةِ المنورةِ ، فدَخَلَهَا مَعَ وفاةِ الخليفةِ عمرَ بنِ الخطابِ - رَضِي اللهُ عَنْهُ- وتولَّى عثمانُ بنُ عفانَ - رَضِي اللهُ عَنْهُ- الخلافة ، وكَانَ فاسماي قدْ قرَّرَ العودة إلى جَزِيْرَةِ القمَرِ الكُبْرَى لنشرِ الدينِ الإسلاميِّ بَيْنَ أهْلِهَا ، وقدْ صَحِبَهُ محمدٌ بنُ عثمانَ بنَ عفانَ إلى جَزِيْرَةِ القمَرِ الكُبْرَى ، وعَلَى إثرِ نزولِهم الجَزِيْرَة َ شُيِّدَ أولُ مسجدٍ بهَا ، وَهُوَ يقعُ على ساحلِ تساويني ، وقدْ اعْتُبِرَ محمدٌ بنُ عثمانَ بنَ عفانَ بذلكَ أولَ داعيةٍ للإسلام بجُزُرِ القمَرِ ، إذ أخذَ ينشرُ تعاليم الإسلام فيمَا بَيْنَ سُكَّانِ تساويني ، وعِنْدَمَا أيقنَ أنَّ أهلَهَا قدْ حصَّلُوا الدينَ وتعاليمَهُ بصورةٍ كافيةٍ أرْسَلَ بمَنَْ تعلَّمَ إلى دومبا أو بنسامادجى(Bansamadji) إلى الشمالِ مِنْ مبادجينى (M'Badjini) ، ورويدًا رويدًا انتشرَ الدينُ الإسلاميُِّ بَيْنَ ربوع الجُزُرِ كافة
وتُشيرُ روايةٌ قَمَريَّة أخرَى إلى أنَّ جماعةً مِنَ المسلمينَ عَلَى المذهبِ السني وَصَلُوا إلى جَزِيْرَةِ أنجوانَ حوالي القرنِ الرابعِ عشرَ الميلاديِّ ، ويبدُو أنَّهُمْ كَانُوا قدْ هاجرُوا مِنْ بلادِ فارس هربًا مِنْ هيمنةِ الزيديينَ الشيعةِ.
بَيْدَ أنَّ المسعودي يذكرُ أنَّ أزد عُمانَ الإباضيينَ نَزَلُوا جَزِيْرَةَ قنبالو سنة َ208هـ / 824 م ، فِي الوقتِ الَّذِيْ يذكرُ فيهِ شتيك أنَّهُ مَعَ بدايةِ القرنِ العاشرِ الميلاديِّ كَانَ هُنَاكَ مسلمونَ فِي قنبالو.
عَلَى أنَّ هُنَاكَ مَنْ يؤكِّدُ عَلَى انتشارِ الإسلام بجُزُرِ القمَرِ خلالَ القرنِ الحادِي عشرَ الميلاديِّ ، لتُدينَ بِهِ الغالبيةُ مِنَ السُكَّانِ ، فِي حينِ كَانَتْ الغالبية ُ خلالَ القرنِ التاسع والعاشرِ الميلاديينِ مِنْ سُكَّانِ جَزيْرَةِ القَمَرِ الكُبْرَى مِنَ الأفارقةِ غيرَ المسلمينَ .
وبحسبِ رأى كارثى (Karthy) فِي كتابِ " جُزُرُ إفريقيةِ فِي بَحْرِ الهندِ والجُزُرُ العربيَّةِ" المطبوع فِي باريسَ سنة 1885م ، أنَّ تاريخَ الفتح الإسلاميِّ وَوُصُولِ العربِ المسلمينَ لجُزُرِ القمَرِ غيرُ معلوم ، وإنَّمَا ثَبَتَ أنَّ رجُلاً عربيًا امتازَ بالبسالةِ والإقدام جَعَلَ نفسَهُ سلطاناً عَلَى جَزِيرَةِ القمَرِ الكُبْرَى ويُضِيفُ كارثي أنَّ أعقابَ هذا الرجلِ هُمْ الَّذِينَ اشتبكُوا فِي الحربِ مَعَ البرتغاليينَ عِنْدَمَا أغارُوا عَلَى السَّاحلِ سنة 1504م ، ثُمَّ جَاءَ بعدَ ذلكَ محمدُ بنُ عيسى الشيرازيُّ مَعَ جماعتِهِ ، وَنَزَلَ أولَ الأمرِ فِي ساحلِ شرقيِّ إفريقيةِ ، ثُمَّ استولى عَلَى جَزِيْرَةِ مايوتَ ، وقدْ استقبلَهُ أهلُهَا خيرَ استقبالٍ ، فاستحبها عَلَى جَزِيْرَةِ أنجوانَ ، وتزوَّجَ مِنْ ابنةِ سلطانِ مايوتَ.
ويذكرُ دوبلانتيه (Duplantier ) ، أنَّهُ يُقالُ : إنَّ العربَ نَزَلُوا فِي جَزِيْرَةِ القمَرِ الكُبْرَى قادمينَ مِنْ مسقطِ وغيرِهَا ، وذلكَ فِي القرنِ العاشرِ الميلاديِّ ، وكَانَ بصُحْبَتِهِمْ عبيدٌ كثيرونَ ، وَوَجَدُوا فِيهَا زنوجًا وثنيينَ لَمْ يُعرَفْ تاريخُ مجيئِهِمْ .
ومَا يُدْعَمُ هذا الرأيَ إشارةُ أحد المؤرخينَ الحضارمةَ ، وَهُوَ الشيخُ السيدُ محمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ شهابٍ العلويِّ ، الَّذِيْ كَانَ يعيشُ فِي بات بشرقيِّ إفريقيَّةِ إلي أنَّهُ كَانَ يُوجدُ فِي أنقزيجه كثيرٌ مِنْ بَنِي يعربَ ، وَبَنِي نبهان مِنْ أهلِ عُمانَ ، فقدْ جَاءَ فِي تعليق الأميرِ شكيب أرسلان عَلَى كتابِ حاضرِ العالم الإسلاميِّ بأنَّهُ قدْ سِكَنَ انقزيجه كثيرٌ مِنْ بَنِي يعربَ ، وبَنِى نبهانَ أهلِ عُمانَ ، وَهُمْ مِنْ ذوي الثراءِ بهَا ، وكَانَ لبني نبهانَ بلدةٌ تُسَمَّى مُوَيْرا .
ويبدُو أنَّ العربَ مِنَ العُمانيينَ والحضارمةِ كَانَتْ لَهُمْ السيادةُ عَلَى هَذِهِ الجُزُرِ حَتَّى قدُوم البرتغاليينَ ، بدليلِ مَا ذَكَرَهُ المغيري مِنْ أنَّ سيادةَ الشيرازيينَ حكامَ كلوة عَلَيْهَا كَانَتْ بعدَ سيادةِ البرتغاليينَ عَلَيْهَا ، أي أنَّ هؤلاءِ الشيرازيينَ لَمْ يكنْ لَهُمْ عَلَيْهَا سلطانٌ إلا عَلَى يدِ البرتغاليينَ ، الذينَ عَيَّنُوا فِي حُكْمِهَا بعضَ الأمراءِ الشيرازيينَ الَّذِينَ أصْبَحُوا كَمَا هُوَ معروفٌ ألعوبة فِي أيدِيْهِمْ بعدَ أنْ استولَوا عَلَى كلوة نفسِهَا ، ومَعَ ذلكَ فإنَّ القبائلَ العربية كَانَتْ ذاتَ فعاليةٍ قويةٍ فِي جُزُرِ القمَرِ ، حَتَّى إنَّهُمْ كَانُوا يُفَاخرُونَ بأنسابِهِمْ وأصولِهِمْ ، وكَانَ ينتجُ عَنْ ذلكَ كثيرٌ مِنَ الشغبِ والتعصبِ ؛ مِمَّا دعا الحاكمَ الشيرازيِّ السلطانَ محمدَ بنَ عيسى إلى أنْ يُجبرَهُم عَلَى تركِ الانتماءِ إلى القبائلِ العربيةِ ، حَتَّى يَقْضِي عَلَى المفاخرةِ والتعصبِ ، ومَا ينتجُ عَنْهُ مِنْ شقاق وخصام ، وصَارَ انتماءُ الناسِ إلى الجُزُرِ القمَريةِ ، وليسَ إلى قبائِلِهِم العربيَّةِ ، فصارُوا يُسَمَّونَ بالقمريين.
وعَلَى أيَّةِ حالٍ فقدْ صَارَ مِنَ المسلم بهِ عمومًا أنَّ الإسلامَ قدْ ضَرَبَ بجذورهِ جُزُرَ القمَرِ، عَلَى الرغم مِنْ أنَّ الصورةَ العامَّة لانتشارهِ فِيهَا كَانَتْ أقربَ إلى الغموضِ ، ولكنْ أصبحتْ حقيقةُ أنَّ الإسلامَ أصْبَحَ لَهُ دورٌ كبيرٌ يُعتَدُّ بِهِ إلى درجةٍ كبيرةٍ فِي تشكيلِ المجتمع القمريِّ ، وصَبْغِهِ بالثقافةِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ واقعًا يشهدُ بهِ القاصِيْ والدَانِي ْ.
* الهامش :
* معهد البحوث والدراسات الإفريقية _ جامعة القاهرة .
(1) هوَ شهابُ الدينِ أحمدُ بنُ ماجد بن محمد بن فضل بن دويك بن يوسف بن حسن بن الحسين بن أبي معلق السعدي بن أبي الركائب النجدي ، ملاح عربي مسلم عالم في فنون البحر والفلك ، عاش في النصف الثاني مِنَ القرنِ التاسع الهجري ، وأوائل القرن العاشر الهجري ، وعلى أرجحِ الاحتمالاتِ كَانَ مولده فِي عام 840 هـ ، فِي جلفار ، وهي ما تُعْرَفُ اليوم بمدينة رأس الخيمة بدولةِ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ ، وكانَ لابنِ ماجد الدورُ الكبيرُ ، بَلْ عُدَّ السبب الوحيد والرئيسي لوصول البرتغالي فاسكو دى جاما لساحل الهند عام 1498م ، ولأحمدَ بنِ ماجد العديد مِنَ المؤلفاتِ ما يربو عَلَى الخمسةِ والعشرينَ مُؤلَفاً، ومن أشهرها ثلاثة أزهار في علوم البحار ، وكتاب الفوائد في أصول علم البحر والفوائد.
(2) الداو(dhow) : سفينة ذاتُ شراع واحدٍ حمولتُهَا نحو من مائةٍ وخمسين طنًا إلى مائتين طن ، وطولها نحو خمسة وثمانين قدمًا، وعرضُهَا عشرونَ قدمًا، وعمقها أحد عشرَ قدمًا، وهذا النوعُ من السفن كَانَِ يُصنعُ فِي كوشين(Cochin) ، عَلَى سَاحِلِ المليار إلى عهدٍ قريبٍ ، وتُستعملُ فِي البَحْرِ العربيِّ ، كَمَا كَانتْ تُستخدمُ بسواحل شرقيِّ إفريقية في تجارةِ العبيدِ ، وكذلكَ اُستُخدمَتْ الداواتُ فِي نقل السلع والبضائع والمسافرين.
(3) شكلتْ المبادلاتُ التجارية بَيْنَ ضفتي قناةِ موزمبيقَ إحدَى أجزاءِ الشبكةِ التجَّاريةِ الإقليميةِ الَّتِي تتضحُ مِنْ خلالِ التقارير البرتغاليةِ المبكرةِ ، إذ تشيرُ إلى صناعاتِ القماشِ المتخصصةِ فِي جزيرةِ كويريمبا (Querimba) أمامَ ساحلِ موزمبيقَ ، ومصنوعاتٍ مٍنِ النخيلِ فِي مافيا وأنجوش(Angoche) عَلَى ساحل موزمبيقَ ، وكذلكَ قطعُ الأخشابِ ، وصناعةِ المراكبِ فِي جُزُرِ موزمبيقَ ، وفِى هَذِهِ الموانئ أيضًا كان يُستخرجُ اللؤلؤ والكهرمان ودركِ السلاحفِ.
(4) مواليمو ( Mwalim , or Moualimou ) ، أي المنجم أو الكاهن ، وهُوَ الشخصُ الذِي يقومُ بأعمالِ السحرِ والتنجيم أو الكهانة ، بقراءةِ الغيبِ ، أو الطالع والاتصال بالعالم الخفي والغيبي ومعالجة العلل عَنْ طريقِ