جمع القرأن فى عهد عثمان بن عفان رضي الله عنهم
جمع القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان
وهو الجمع الثاني في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم . فعندما اتسعت الفتوحات الإسلامية انتشر الصحابة رضي الله عنهم في البلاد المفتوحة يعلمون أهلها القرآن وأمور الدين .
وكان كل صحابي يُعَلِّم طلابه بالحرف الذي تلقاه من الأحرف السبعة ، فكان أهل الشام يقرأون بقراءة أبي بن كعب فيقرأون بما لم يسمع أهلُ العراق ، وكان أهل العراق يقرأون بقراءة عبد الله بن مسعود فيقرأون بما لم يسمع أهل الشام ، فيكفر بعضهم بعضًا .
وعندما اتجه جيش المسلمين لفتح " أرمينية " و " أذربيجان " كان الجنود من أهل العراق ، وأهل الشام فكان الشقاق والنزاع يقع بينهم ورأى حذيفة بن اليمان اختلافهم في القراءة وبعض ذلك مشوب باللحن مع إلف كل منهم لقراءته واعتياده عليها واعتقاده أنها الصواب وما عداها تحريف وضلال حتى كَفَّرَ بعضهم بعضًا فأفزع هذا حذيفة فقال والله لأركبَنَّ إلى أمير المؤمنين (يعني عثمان بن عفان رضي الله عنه) وكان عثمان قد رأى نحو هذا في المدينة فقد كان المُعَلِّم يُعَلِّم بقراءة والمعلم الآخر يعلم بقراءة فجعل الصبيان يلتقون فينكر بعضهم قراءة الآخر فبلغ ذلك عثمان فقام خطيبًا وقال : " أنتم عندي تختلفون فيه فتَلْحَنُون فمن نأى عني من الأمصار أشدّ فيه اختلافًا وأشدّ لحنًا ، اجتمعوا يا أصحاب محمد ، واكتبوا للناس إمامًا " .
فلمَّا جاء حذيفة إلى عثمان رضي الله عنهما وأخبره بما جرى تحقَّق عند عثمان ما توقعه ، وقد روى البخاري في صحيحه قصة ذلك الجمع في حديث أنس بن مالك قال : " إنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يُغازي أهل الشام في فتح " أرمينية " و " أذربيجان " مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردّها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان " .
وذكر ابن عطية أن الصحف التي جمعت في عهد أبي بكر بقيت عنده " ثم عند عمر بن الخطاب بعده ثم عند حفصة بنته في خلافة عثمان ، وانتشرت في خلال ذلك صحف في الآفاق كتبت عن الصحابة كمصحف ابن مسعود . وما كتب عن الصحابة بالشام ، ومصحف أبي وغير ذلك ، وكان في ذلك اختلاف حسب السبعة الأحرف التي أنزل القرآن عليها ، فلما قدم حذيفة من غزوة أرمينية - حسبما قد ذكرنا انتدب عثمان لجمع المصحف " .
تاريخ هذا الجمع
كان ذلك في أواخر سنة 24 وأوائل سنة 25 كما قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى وقال أيضًا " وغفل بعض من أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين ولم يذكر له مستندًا " . ولم أجد أيضًا من حدد المدة التي استغرقها هذا الجمع .
فكرة الجمع
لما سمع عثمان ما سمع وأخبره حذيفة بما رأى استشار الصحابة فيما يفعل ، فقد روى ابن أبي داود بإسناد صحيح - كما يقول ابن حجر من طريق سويد بن غفلة قال : قال علي بن أبي طالب " يا أيها الناس لا تغُلوا في عثمان ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف . . فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منَّا جميعًا ، قال ما تقولون في هذه القراءة ؟ فقد بلغني أنَّ بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك ، وهذا يكاد أن يكون كفرًا ، قلنا : فما ترى ؟ قال : نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا يكون اختلاف . قلنا : فنعم ما رأيت . . قال علي : والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل .
اللجنة المختارة
اختار عثمان أربعة لنسخ المصاحف هم :
زيد بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وهؤلاء الثلاثة من قريش .
فقد سأل عثمان الصحابة : من أكتب الناس ؟ قالوا : كاتب رسول الله زيد بن ثابت قال : فأي الناس أعرب ؟ وفي رواية أفصح . قالوا : سعيد بن العاص ، قال عثمان : فليُملِ سعيد ، وليكتب زيد " . وقيل إن عثمان اختار اثني عشر رجلًا من قريش والأنصار فيهم أبي بن كعب ، وزيد بن ثابت وغيرهم .
خطوات هذا الجمع
بعد أن اتفق عثمان مع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين على جمع القرآن على حرف سلك منهجًا فريدًا ، وطريقًا سليمًا ، أجمعت الأمة على سلامته ودقته . 1
- فبدأ عثمان بأن خطب في الناس فقال : " أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن وتقولون : " قراءة أبي " و " قراءة عبد الله " يقول الرجل : " والله ما تقيم قراءتك " !! فأعزمُ على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لـمَّا جاء به ، وكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن حتى جمع من ذلك كثرة ، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلًا رجلًا فناشدهم ، لسمعت رسول الله وهو أملاه عليك ؟ فيقول نعم " .
2 - وأرسل عثمان إلى أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نعيدها إليك ، فأرسلت بها إليه ، ومن المعلوم أن هذه الصحف هي التي جمعت في عهد أبي بكر الصديق على أدق وجوه البحث والتحري . 3
- ثم دفع ذلك إلى زيد بن ثابت والقرشيين الثلاثة وأمرهم بنسخ مصاحف منها وقال عثمان للقرشيين : " إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم " .
4 - إذا كان في آية أكثر من قراءة تكتب الآية خالية من أيَّة علامة تقصِرُ النطقَ بها على قراءة واحدة فتكتب برسم واحد يحتمل القراءتين أو القراءات فيها جميعًا مثل : أ - { فتبينوا } (الحجرات : 6) التي قُرِئت أيضًا (فتثبتوا) .
ب - { ننشزها } (البقرة : 259) قُرأت أيضًا (ننشرها) .
أما إذا لم يمكن رسمها بحيث تحتمل القراءات فيها فتكتب في بعض المصاحف برسم يدل على قراءة ، وفي مصاحف أخرى برسم يدل على القراءة الأخرى مثل : أ - { ووصى بها ابراهيم } (البقرة : 132) هكذا تكتب في بعض المصاحف وفي بعضها (وأوصى) .
ب - { وسارعوا الى مغفرة من ربكم } (آل عمران : 133) بواو قبل السين في بعض المصاحف وفي بعضها بحذف الواو .
وبعد الفراغ من نسخ المصاحف بعث عثمان بنسخ منها إلى الأمصار الإسلامية حيث نشط المسلمون في نسخ مصاحف منها للأفراد وكان زيد بن ثابت في المدينة يتفرغ في رمضان من كلِّ سنة لعرض المصاحف فيعرضون مصاحفهم عليه وبين يديه مصحف أهل المدينة . .