عادل...
سعد العثمان | 26/10/1432 هـ
كنت جالساً مع زملائي المدرسين، في وقت الفُسحة، في غرفة المدرسين، وفجأة يُطرق باب الغرفة، وإذا بالطالب الخلوق المؤدب، في الصف الثالث الثانوي- قسم أدبي، إنَّه عادل، يستأذن بكل لطف، ثم يعتذر لجميع المدرسين لمقاطعته لهم، ثم يطلبني أنا شخصياً على انفراد، استأذنت من الزملاء، ثم أمسكت بيد عادل، وأخذته إلى مكتبة المدرسة، وأخذت جانباً خالياً وهادئاً من المكتبة، ثم قلت له: اجلس بابني!!. خيراً لقد أشغلت فكري عليك، ما الأمر؟؟. فقال عادل: أنت يا أستاذي، أعتبرك في نفسي أبٌ لي، قبل أن تكون أستاذي ومعلمي، فأنت من المدرسين الذين تأثر بهم كثير من الشباب والطلاب، وعندي اليوم مشكلة كبيرة، أرجو ثم أرجو أن تعينني على حلِّها، قلت له: تكلم، كلي أذن صاغية لك يا عادل..
قال عادل: يا أستاذي!! سئمت حياتي، وكرهت كل شئ، حتى أنَّني أفكِّر بالانتحار، من ضيق صدري، وقلقي، وهمومي، تصوَّر يا أستاذي!! أنَّ بعض الناَّس يفكرون بالانتحار بسبب الفقر والجوع، والنقص الحاد في متطلبات الحياة الأساسية، أما أنا فأفكر بالانتحار بسبب مغاير لهذا تماماً، فكل ما يتمناه أي شاب هو عندي، سيارة! عندي جيب ربع آخر موديل، بيت! أسكن في قصر منيف مع عائلتي، مال! مصروفي آخذه من والدي كل يوم 100ريال، مزرعة! لدينا بدل المزرعة الواحدة عدة مزارع، استراحة! عندنا أجمل استراحة في المنطقة، يدعو إليها والدي كبار الشخصيات، دراسة! والدي وضعني في مدرسة خاصة نموذجية، خدم! لدينا بدل الخادمة خادمات ومربيات، الرَّحلات والسَّفر! كل عطلة صيف نقضيها في بلد، جوال! أفخم وأفضل جوال أحمله، لاب توب! آخر جهاز أنتجته اليابان عندي... المهم يا أستاذي أنا أخذت كل متع الحياة، وكانت كلها بالحلال، ولم أقع في الحرام إلا قبل يومين، ثم بدأ عادل يبكي بكاءً شديداً، حتى خشيت عليه، وطلبت منه أن يؤجل إكمال ما عنده إلى حين يهدأ، فأبى وقال: دعني أبكي يا أستاذي، لأنَّ البكاء يريحني، فتركته هنيهة، ودقَّ جرس الدخول إلى الحصة الدراسية، فتركت عادل في المكتبة، وذهبت لأستأذن له عن دخول الحصة الرابعة، وكان عندي أنا حصة فراغ، وعدت إلى عادل في المكتبة، وما زالت الدموع في عينيه، وعلى خديه، وعلى ثوبه، فهدَّأته، وقويتُ من عزيمته، وقلت له: يا عادل!! كلنا نخطئ، وكلنا نذنب، ولكن خير الخطاءين والمذنبين التوابون، وهذه الدُّموع التي ذرفتها، وهذا النَّدم الذي أبديته، إن شاء الله كافٍ لقبول توبتك وإنابتك ورجوعك لربك... تنهد عادل بعد طول صمت، وقال: ولكن!! أنا يا أستاذي وقعت في معصية، لا يغفرها لي ربي، أنا زنيت... أنا زنيت... وبدأ عادل بالبكاء من جديد، وبعد أن هدأ قليلاً قال: يا أستاذي قبل يومين، دخلت الخادمة الاندونيسية إلى غرفتي كعادتها، تريد تنظيفها، وترتيبها، وأخذ ملابسي المستعملة لتغسلها، وكنت أذاكر دروسي، فنظرت لها، ونظرت إلي، فابتسمت، وابتسمت، وكلمتها كلاماً رقيقاً، وكلمتني مثله، واقتربت مني، واقتربت منها، ثم جلسنا على السرير، وحدث ما حرم الله، وفضضت بكارتها، ولما رأيت دمها ينزل منها، تمنيت لحظتها لو أنَّ الأرض انشقت وابتلعتني، وهي حسَّت بخطورة ما فعلت؛ فجعلت تبكي، مما زادني حزناً وغماً وضيقاً، وأنا في حالة من الضيق والتعاسة والشقاوة لا أحسد عليها، فانصحني يا أستاذي ماذا أفعل؟؟.
فقلت له ناصحاً: يا عادل!! أنت لست أول من زنى، ولا آخر من زنى، وهذا شئ كتبه الله عليك؛ وأنت مازلت جنيناً في بطن أمك، فلا تعذِّب ضميرك وفكرك، إلى درجة أن تفكر بالانتحار، لأنَّك إن انتحرت، خسرت الدُّنيا والآخرة، أما كونك قد زنيت، فالزِّنا كبيرة من كبائر الذنوب، لكنَّها أخفُّ بكثير من الانتحار، وما عليك في قضيتك ومعصيتك إلا التَّوبة النَّصوح، التي نصَّ عليها أهل العلم..
بادرني عادل بالسُّؤال قائلاً: ذكرني يا أستاذي الفاضل، بشروط التَّوبة النَّصوح،
قلت له: درسْتُكَهَا في الصَّفِّ الأول الثَّانوي، يقول الإمام النوويُّ- رحمه الله-:
( قال العلماء: التوبة واجبةٌ من كلِّ ذنب؛ فإن كانت المعصيةُ بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلَّق بحقِّ آدميٍّ، فلها ثلاثةُ شروط:
أحدها: أن يُقلعَ عن المعصية.
والثاني: أن يَندمَ على فِعْلها.
والثالث: أن يَعزمَ على ألاَّ يعودَ إليها أبدًا. فإن فُقِد أحدُ الثلاثة لم تصحَّ توبته.
وإن كانت المعصية تتعلَّق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثَّلاثة، وأن يبرأ من حقِّ صاحبها، فإن كانت مالاً أو نحوه ردَّه إليه، وإن كانت حدَّ قذفٍ ونحوه مكَّنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غِيبةً استحلَّه منها، ويجب أن يتوب من جميع الذُّنوب، فإن تاب مِن بعضها صحَّت توبتُه - عند أهل الحقِّ - من ذلك الذَّنب، وبقي عليه الباقي، وقد تظاهرت دلائل الكِتاب والسُّنة، وإجماع الأمَّة على وجوب التَّوبة).
أنت يا عادل، أرى أنك قد طبقت الشروط الثلاثة الأولى، وبقي الشرط الرابع!!
عادل: ماذا تعني يا أستاذ؟؟. قلت له: أعني الخادمة، هذه البنت المسكينة الضعيفة، أتت من بلدها لوحدها، بسبب حاجتها وحاجة أهلها للمال، ثم استغليت ضعفها المالي والأنوثي، ففضضت بكارتها، ماذا تفعل لها إذا تعلقت بعنقك يوم القيامة، ونادت ربها قائلةً: ربي هذا الذي فضحني، وأخذ عذريتي بالحرام، خذ لي منه يا ربي؟؟؟!!. " جعل عادل يبكي، بسبب تخويفي له بالله، حتى كاد كبده يتفطر من كثرة البكاء!!".
وبعد أن هدأ عادل، صاح متأثراً: طيب ماذا أفعل يا أستاذي؟؟ أكاد أجن!!. قلت له: هناك طريقان:
الطريق الأول: أن تتزوج الخادمة، وتستر عليها، فهي بكر، وأنت الذي تزوجتها، فتسافر أنت مع والدك ووالدتك، وتخطبها من أهلها، وإياك أن تتكلم بالذي حصل لأهلها، وتوصيها هي أيضاً بذلك، ثمَّ تعقد عليها عقد الزَّواج الشَّرعي، ثم تدخل بها دخولاً كاملاً، وهي زوجتك، ونعم الزوجة، ونعم الزوج، التائبان الرَّاجعان إلى ربِّهما، وستجد معها السَّعادة، والتَّوفيق، والنَّجاح.
الطريق الثَّاني: أن تطلب عفوها ورضاها، وأن تكرمها بالمال وغيره، حتَّى ترضى، ثمَّ اعمل لها فحص حمل، فإن كانت حاملاً، فهذا ولدك، انظر ما تصنع به؟؟. لو ضيَّعته، ولم تقم بحقه عليك، كما يقوم أبوك بحقك عليه، سيتعلق بعنقك يوم القيامة، وسيقول لك: ضيَّعتني ضيَّعك الله!!. وإن لم تكن حاملاً، ورضيت بما متعتها، وهديتها، وأعطيتها، فأرسلها إلى أهلها، وخذ عنوانها في بلدها، وأرسل لها ما تجود به نفسك من مال، تعينها به على نوائب الزمان، وصعوبات الحياة...
وعليك بسيد الاستغفار، لا يفتر لسانك في كل وقت وحين من ترداده، واطلب من ربك أن يقبل توبتك، وأن يستر عليك وعلى حريمك، وألا يريك في أهلك ما يسوؤك، لأنَّ الزِّنا دينٌ، إذا أقرضته، كان الوفاء من أهلك وحريمك، فقم في جوف الليل في وقت السَّحر، واطلب من ربك قبول توبتك، وأن يستر على حريمك..
وقف عادل في نهاية جلستنا، وشكرني وقبَّل رأسي احتراماً، وقال: كثَّر الله من أمثالك يا أستاذ، كم نحن في مجتمعنا السُّعودي بحاجة لأمثالك، وأعدك يا أستاذي أن تكون فاطمة: " خادمتنا الاندونيسية زوجتي مستقبلاً " وبالفعل تزوج عادل بفاطمة، وحضرْتُ زفافهما، ورزق منها بمولود، استشارني بتسميته، فقلت له: سمِّه بِ: عبد التواب. وفق الله أبا عبد التواب، وأمَّ عبد التواب، وذريتهما، وجميع شباب المسلمين، إلى كل خير وبر.
ملحوظة هامة: عادل أتى أستاذه، وهو قد يئس وقنط حياته، وصل به اليأس إلى
حد مخيف، وهو التَّفكير الجدِّي في الانتحار، ولذلك يحتاج إلى يد حانية، ورعاية خاصَّة، وسياسة دقيقة، لمعالجة مشكلته، فلا يظنَّ أحد من الشباب، أنَّ الزِّنا بالخادمة أمره سهل وميسور، بل هو أشد وأقوى من غيره، لأنَّ له ذيول وتبعات ومشاكل، لا تحمد عقباها، وقد تصل إلى مشاكل وفضائح دولية، ولهذا أحذِّر جميع الشَّباب من هذا المنحدر، والمنزلق الخطير، ناهيك عمَّا أعدَّه الله من عذاب دنيوي وأخروي للزُّناة والزَّواني، يكفي في عذابهم ما ورد في الحديث الصَّحيح، أنَّهم يوضعون في تنور، فيه نار تلظى، تلفح أجهزتم التناسلية، فيصيحون ويستغيثون من شدة لهب النار وحرقها لهم. فاحذروا معاشر الشباب قرب الزنا، فكيف الولوغ فيه؟؟. فالله تعالى يقول ولا تقربوا الزنا ).
وفق الله الجميع للعلم النافع، والعمل الصَّالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً..
حلم مغتال نالت إعجابه.