منبر الحرم النبوي الشريف
المنبر لغة: الشيء المرتفع، وبه سمي المكان الذي يرتقيه الخطيب في المسجد.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً، فشق عليه ذلك، فصار يخطب إلى جذع نخلة يستند إليه إذا طال قيامه، ثم أشير عليه بالمنبر، فاتخذه في السنة السابعة أو الثامنة من الهجرة، ووضع في الجانب الغربي من مصلاه، وكان من الطرفاء (الأثل).
ولمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضائل جاءت بها الأحاديث، فمن ذلك:
مارواه الشيخان، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مابين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي".
وروى أحمد وغيره، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن منبري على ترعة من ترع الجنة".
وأخرج النسائي، عن أم سلمة رضي الله عنها: "إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة".
وأخرج أبو داود وابن ماجه، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"لايحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر إلا تبوأ مقعده من النار". أو: "وجبت له النار".
ولقد مر المنبر الشريف عبر تاريخه بمراحل عدة:
فكان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين مكوناً من ثلاث درجات، طوله من الجنوب إلى الشمال أربعة أشبار وشيء، ومجلسه ذراع في ذراع، وارتفاعه ذراعان، له رمانتان ارتفاع الواحدة نصف ذراع.
وكان صلى الله عليه وسلم يقف على الدرجة الثالثة منه، ثم نزل الصديق درجة، ثم عمر كذلك، وأقام عثمان على الدرجة السفلى ست سنين، ثم ارتقى بعدها حيث كان صلى الله عليه وسلم يقف.
وظل المنبر على حاله حتى زاد فيه مروان بن الحكم عامل معاوية رضي الله عنه على المدينة ست درجات من أسفله، فصار تسع درجات، يقف الخلفاء على الدرجة السابعة، وهي الأولى من المنبر الشريف.
واستمر المنبر على هذا حتى عام 654هـ حيث احترق المسجد النبوي فاحترق باحتراقه المنبر، وفقد الناس بركته، فأرسل المظفر ملك اليمن منبراً جديداً من الصندل، له رمانتان، فنصب في موضع المنبر النبوي الشريف.
وفي سنة 664هـ أرسل السلطان الظاهر بيبرس البندقداري منبراً جديداً بتسع درجات،له باب بمصراعين، في كل مصراع رمانة من فضة، كتب على الجانب الأيسر منه اسم صانعه، فنصب موضع المنبر السابق، وخطب عليه حتى عام 797هـ.
وفي العام المذكور ظهرت في المنبر آثار الأرضة، فأرسل الملك الظاهر برقوق منبراً جديداً استمر حتى عام 820هـ.
ثم أرسل السلطان المؤيد شيخ منبراً آخر بثماني درجات بعدها مجلس، ارتفاعه ذراع ونصف، له قبة يعلوها هلال، وبابه بمصراعين،فحل محله.
وفي عام 886هـ احترق المسجد النبوي الشريف، واحترق معه المنبر، فبنى أهل المدينة منبراً من الآجر، طلوه بالنورة والجير.
ثم أرسل السلطان الأشرف قايتباي منبراً من الرخام الأبيض، حرص السيد السمهودي أن يضعه موضع منبر النبي صلى الله عليه وسلم تحديداً، فلم يوافق متولي العمارة، فوضع مقدماً إلى القبلة عشرين قيراطاً، وزحف إلى الروضة ثلاثة قراريط (خمسة أصابع).
وفي عام 998هـ أرسل السلطان مراد العثماني منبراً جديداً وضع موضع منبر قايتباي و نقل منبر قايتباي إلى مسجد قباء وبقي فيه حتى عام 1408هـ حيث التوسعة الكبرى لمسجد قباء، فاحتفظ به في مكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة.
أما منبر السلطان مراد فقد صنع من المرمر النقي، وهو غاية في الجمال ودقة الصناعة، يتكون من اثنتي عشرة درجة، ثلاث خارج الباب، وتسع داخله، تعلوه قبة هرمية لطيفة، محمولة على أربعة أعمدة مضلعة رشيقة من المرمر، وبابه من الخشب القرو يتكون من مصراعين مزخرفين بزخارف هندسية إسلامية، مدهون باللون اللوزي الجميل، كتب فوقه الأبيات التالية:
أرســـل السلطان مراد بن سليم مستزيداً خير زاد للمعـــــاد
دام في أوج العلا سلطانــــه آمناً في ظله خير البــــــلاد
نحو روض المصطفى صلى علـيه ربنا الهادي به كل العبـــــاد
منبراً قد أسست أركــــانه بالهدى واليمن من صدق الفــؤاد
منبراً يُعْلِي الهدى إعــــلاؤه دام منصوباً لأعلام الرشــــاد
قال سعد ملهما تاريــــخه منبراً عمر سلطان مــــــراد
وفوقه شرفات هن آية في الروعة، كتب في الوسط (لاإله إلا الله محمد رسول الله)
وقد اهتمت حكومة المملكة العربية السعودية بهذا المنبر، وشملته بالرعاية والعناية المستمرة، و تقوم بطلائه بماء الذهب كلما دعت الحاجة إلى ذلك، ووضعت عليه ورقاً شفافاً لحمايته من اللمس حفاظاً عليه، وليبقى شاهداً على دقة الفن الإسلامي وأحد أعاجيبه الباقية.
المصدر